تقرير | أحمد يمّين
تم إعداد هذه المراجعة بهدف تسليط الضوء على النقاط الرئيسية في ورقة «مبادئ توجيهية بشأن التعليم الجامع»، والتي أعدتها «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة» (اليونسكو). تهدف هذه المراجعة إلى توضيح أهمية التعليم الجامع كوسيلة لتعزيز حقوق الإنسان وترسيخ المبادئ الأخلاقية في النظم التعليمية، بالإضافة إلى استعراض التحديات التي تواجه تنفيذ هذه السياسات، واستراتيجيات التغلب عليها، من أجل تحقيق بيئة تعليمية شاملة وعادلة للجميع.
تمثل ورقة «مبادئ توجيهيّة بشأن التعليم الجامع» خطوة حاسمة نحو تعزيز حقوق الإنسان وتكريس المبادئ الأخلاقية في العملية التعليمية. تحتوي الورقة على نقاط محورية تركز على توفير بيئة تعليمية شاملة، تحقق المساواة وتراعي التنوع الثقافي، وتؤكد على أهمية المساواة بين الجنسين. من خلال اقتراح استراتيجيات عملية، تسعى الورقة لتحقيق تعليم شامل يراعي حقوق الجميع، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة، ويواجه التحديات الثقافية والاقتصادية والتنظيمية لضمان التطبيق الفعلي لهذه المبادئ على أرض الواقع.
أبرز النِّقاط الَّتي تؤكِّد على احترام حقوق الإنسان والأخلاقيّات الإنسانيَّة:
بعد الاطِّلاع على ورقة المبادئ التوجيهية بشأن التَّعليم الجامع أو الدّامج، تبيَّن أنَّها تحوي نقاطًا مهمَّةً تسلِّط الضَّوء عليه، تتمثَّل بالآتي
مفهوم التَّعليم الجامع/ الدّامج –
التَّأكيد على احترام حقوق الإنسان، والأخلاقيّات الإنسانيَّة –
الاستراتيجيّات المقترحة لتحقيق التَّعليم الجامع/ الدّامج –
التَّحدِّيات المحتملة لتطبيقه وتعميمه –
آليَّة مواجهة التَّحدِّيات –
تقوم ورقة المبادئ التوجيهيّة على تأكيد عددٍ من النِّقاط الَّتي تتعلق بحقوق الإنسان والأخلاقيّات الإنسانيَّة، منها:
أ. حقوق الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة: تسعى السِّياسات المقترحة إلى توفير بيئٍة تعليميَّةٍ شاملةٍ تراعي احتياجات الطُّلّاب ذوي الإحتياجات الخاصة وتدمجهم في النِّظام التَّعليميِّ العامِّ. تشير الورقة إلى أنَّ هذا التَّكامل يعزِّز حقوق الإنسان ويضمن تكافؤ الفرص التَّعليمية. كما أنَّها تؤكِّد على أنَّ استثناء هذه الفئة من المجتمع يؤدّي إلى تراجع نموِّه باعتبارهم فئةً قادرةً على الإنتاج، إذ إنَّ إعاقتهم تمنعهم من أداء بعض المهمّات جزئيًّا، وهي ليست إعاقةً كلِّيَّةً.
ب. مراعاة التَّنوُّع الثَّقافيِّ: يولي النَّصُّ اهتمامًا كبيرًا للتَّنوُّع الثَّقافيِّ في العمليَّة التَّعليميَّة، ويحثُّ على أهمِّيًّة التَّعليم الجامع من أجل تحقيق الإنصاف الاجتماعيِّ، موضِّحًا أنَّ احترام الخلفيّات الثَّقافيَّة المختلفة للطُّلّاب يعزِّز من التَّفاهم والتَّسامح بين الأفراد والمجتمعات، ويمكِّنهم بالتّالي من التَّعاون في سبيل الرُّقيِّ وتعزيز التَّقدُّم الَّذي يُساهم فيه الكلُّ.
ج. المساواة بين الجنسين: تؤكِّد الوثيقة على أهمِّيَّة تحقيق المساواة بين الجنسين في التَّعليم باعتباره حقًّا للجميع، مشيرةً إلى ضرورة إزالة الحواجز الَّتي تحول دون تحقيق هذا الهدف، ممّا يعزِّز حقوق الإنسان والأخلاقيّات الإنسانيَّة بشكلٍ عامٍّ.
د. الاستيعاب والاحتضان: تبيِّن الوثيقة أهمِّيَّة الاستجابة لتنوُّع احتياجات الأطفال واليافعين والرّاشدين وتلبيتها من خلال زيادة مشاركتهم في التَّعليم وفي الحياة الثَّقافيَّة وفي المجتمعات المحلِّيَّة. كما وتقول بضرورة جعل التَّعليم إلزاميًّا ومجّانيًّا لمراحل التَّعليم الأساسيَّة. وهذا بدوره يوفِّر فرصةً لاستقطاب الفقراء ودمجهم في البيئة التَّعليميَّة.
أولًا: مدى توافق الاستـراتيجيّات المقتـرحة للحلِّ مع هذه الأخلاقيّات
تعزيز التَّعليم الشّامل: تتضمَّن الاستراتيجيّات المقترحة تعزيز التَّعليم الشّامل لكافَّة الطُّلّاب بغضِّ النَّظر عن قدراتهم أو خلفيّاتهم الثَّقافيَّة. يتَّضح أنَّ هذه الاستراتيجيّات تتماشى مع حقوق الإنسان من خلال توفير فرصٍ تعليميَّة متساويةٍ للجميع.
التَّمويل المستدام للتَّعليم: تشير الوثيقة إلى أهمِّيَّة توفير تمويلٍ مستدامٍ للتَّعليم الشّامل، ما يضمن استمراريَّة الجهود المبذولة في هذا المجال ويعزِّز من تحقيق الأهداف المتعلِّقة بتوفير التَّعليم للجميع.
زيادة صلاحيّات المجتمعات المحلِّيَّة وحمايتها: وذلك بمنحها القدرة الكافية لمساءلة المعلِّمين والمسؤولين والإداريّين والموظَّفين الحكوميّين في ما يخصُّ استيعاب جميع الأطفال في التَّعليم. هذه الاستراتيجيَّة من شأنها زيادة اهتمام أفراد هذه المجتمعات بتحسين المدارس ورغبتهم في توظيف مواردهم الخاصَّة لهذا الغرض ما يدعم إمكانيَّة توفير التَّعليم الجيِّد للجميع.
التَّدريب والتَّوعية: من الاستراتيجيّات المقترحة تقديم برامج تدريبيَّة للمعلِّمين والمشرفين على النِّظام التَّعليميِّ لتعزيز وعيهم بأهمِّية التَّعليم الشّامل وحقوق الإنسان من جهةٍ وللإلمام بآليَّة تطبيق التَّعليم الجّامع في ظلِّ الفروقات والاختلافات داخل الصَّفِّ الواحد، ممّا يسهم في تطبيق هذه الأخلاقيّات عمليًّا في المدارس.
ثانيًا: نقد الاستـراتيجيّات والسِّياسات المقتـرحة
التَّطبيق العمليُّ: رغم أنَّ الاستراتيجيّات والسِّياسات المقترحة تلتزم بالأخلاقيات الإنسانيَّة، وتمثِّل خطوةً إيجابيَّةً نحو تغييرٍ شاملٍ واسع التَّأثير، إلّا أنَّ التَّحدّي الرَّئيس يكمن في الآليَّة الأنسب لتطبيقها على أرض الواقع. فقد تواجه بعض الدُّول مشكلةً في تأمين الموارد البشريَّة والمالِيَّة. كما أنَّ مشروعًا كهذا يحتاج زيادة الإنفاق على القطاع التَّعليميِّ، فإلى أيِّ مدًى يمكن تنفيذ هذه السِّياسات في دول العالم الثّالث، أو الدُّول ذات الأنظمة المتهالكة؟
التَّحدِّيات الثَّقافيَّة: تتطلَّب بعض الاستراتيجيّات المقترحة تغييراتٍ ثقافيَّةً كبيرةً، وهو ما قد يواجه مقاومةً من بعض المجتمعات. خصوصًا، أنَّ بعض المجتمعات ما زالت تتبنّى فكرة أحقِّيَّة التَّعليم للذُّكور دون الإناث على سبيل المثال. هذا بالإضافة إلى مختلف أشكال التَّمييز الَّتي تمجِّد صنفًا وتحتقر آخر. لذا، ينبغي تصميم برامج توعيةٍ شاملةٍ لمواجهة هذه التَّحدِّيات وتعزيز قبول الآخر المختلف أوَّلًا في سبيل تقبُّل هذه التَّغييرات.
التَّحدِّيات السُّلطويَّة: إنَّ الاستراتيجيّات المقدَّمة تتطلَّب الموضوعيَّة لضمان تطبيقها تطبيقًا علميًّا يفيد الجميع، ولكنَّ فساد بعض الحكومات يمنح بعض الأطراف فيها الأفضليَّة، ما يسمح لهم بالتَّدخُّل في التَّعليم الجامع لتخصيصه بما يصبُّ في مصلحتهم. وهذا يتطلَّب تدخُّلا رادعًا لفرض إعادة هيكلة أنظمة الدَّولة ومؤسَّساتها ومحاربة الفساد.
التَّقييم والمتابعة: ينبغي وضع آليّاتٍ فعّالةٍ لتقييم ومتابعة تنفيذ السِّياسات والاستراتيجيّات المقترحة. هذا يتطَّلب تشكيل أنظمة متابعةٍ دقيقةٍ لقياس مدى تحقيق الأهداف المرجوُّة وضمان التزام المؤسَّسات التَّعليميَّة بالمعايير الأخلاقيَّة وحقوق الإنسان. كما أنَّه لا بدَّ من وجود ضغطٍ دوليِّ فاعلٍ في سبيل تعزيز الرِّقابة الدَّوليَّة عبر لجنةٍ تلتزم بمعايير دوليَّةٍ قابلةٍ للتَّنفيذ تحت طائلة العقوبات المناسبة لردع مظاهر الاستغلال الثَّقافيِّ واحتقار حقوق الإنسان.
الخلاصة
إنَّ التَّعليم الجامع/ الدّامج خطوةٌ مهمَّةٌ نحو تقدُّم المجتمعات ورقيِّها، وبتحقُّقه على المدى البعيد تحصد آثارٌ إيجابيَّةٌ على كافَّة الصُّعد. والمرجوِّ من هذا النَّوع من التَّعليم تحقيق التَّقارب الاجتماعيِّ وتعزيز السَّلام، كونه يهتمُّ بفئة المهمَّشين والمبعدين ويسعى إلى إدماجهم في المجتمع. وبالمقابل، تواجهه تحدِّياتٌ كثيرةٌ وكبيرةً جماعيَّةً واجتماعيَّةٌ، ثقافيَّةٌ وسياسيَّةٌ، اقتصاديَّةٌ وتنظيميَّةٌ لا بدَّ من إحصائها ورصدها لضبطها ومواجهتها. وفي سبيل ذلك، يجب أن تتضافر الجهود لتحقيق أفضل النَّتائج بأفضل الوسائل والسُّبل.
أحمد يمّين
مدرّس ومدرب
متخصص في استراتيجيات التعليم عن بُعد
حاصل على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها (البحث واللغويات)