مقال | نيكول ميخايل
إنّ “الاستغلال النفسي” في تصميم التطبيقات الإدمانية يعتمد على تقنيات مصممة خصيصًا لتشجيع الاستخدام المفرط والمستمر، مستغلةً التوجهات النفسية للأفراد. هذه التقنيات تتضمن عناصر مثل المكافآت المستمرة، وألعاب التحديات التي تعزز التفاعل المستمر بطرق تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية. يمكن أن يسهم هذا النوع من التصميم في ظهور مشاكل مثل القلق، الاكتئاب واضطرابات النوم، مما يؤثر بشكل كبير على سلوك المستخدم ورفاهيته. ومن الضروري أيضاً أن نلاحظ أن هذه التطبيقات قد تؤثر بشكل أكبر على الفئات العمرية الصغيرة، مثل الأطفال والمراهقين الذين قد يكونون أكثر عرضة للإدمان الرقمي، وذلك نظراً لحساسية أدمغتهم في التفاعل مع هذه المحفزات.
التأثيرات السلبية لهذه التطبيقات تمتد إلى المجتمع بأسره، حيث تتأثر العلاقات الاجتماعية وإنتاجية الأفراد. كما أن تأثير هذه التطبيقات يمتد إلى مستويات أعمق، ليشمل التأثيرات البيولوجية مثل زيادة إفراز الدوبامين في الدماغ، على نحو يعزز من الاعتماد على هذه التطبيقات، ويزيد من صعوبة التخلص من الإدمان. أمام هذه التأثيرات، ينبغي على الشركات التركيز على تطوير تكنولوجيا تعزز التواصل الاجتماعي، وتشجع السلوكيات الإيجابية والصحية، بدلاً من توجيه التكنولوجيا نحو مسارات استغلالية لتحقيق الربح.
يمكن أن تلعب التكنولوجيا نفسها دورًا في الحد من الإدمان الرقمي، حيث يمكن استخدام الذكاء الإصطناعي من أجل تقديم حلول مخصصة لإدارة وقت الشاشة. يمكن أن تتعلم التطبيقات من سلوك المستخدم، وتقدم توصيات مناسبة أو قيود تلقائية على الإستخدام عند الحاجة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطوير تطبيقات تعزز “الرفاهية الرقمية” من خلال تعزيز العادات الصحية مثل النوم الجيد وممارسة الرياضة. وبدوره، يمكن للبحث في مجالات “الحيادية التكنولوجية” أن يساهم أيضًا في تقليل العناصر المحفزة للإدمان، مثل المكافآت المتكررة.
للتخفيف من هذه الآثار، يجب على الشركات تبني ميزات تعزز أنماط الإستخدام الصحية مثل تذكيرات لأخذ استراحات، وأدوات لمراقبة وإدارة وقت الشاشة، ومن شأن ذلك أن يساعد في ضمان راحة المستخدم النفسية وتقليل احتمالية الإدمان. من جهة ثانية، يُنصح بالإستثمار في توعية المستخدمين حول مخاطر الإدمان الرقمي، وتشجيع الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا. من المهم في هذا الإطار أن تلعب المؤسسات التعليمية دورًا في توعية الطلاب حول هذه المخاطر، وتزويدهم بالأدوات اللازمة لإدارة وقتهم بشكل فعّال. ولنا أن نشدد هنا على أهمية تعاون المصمّمين مع المؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الربحية التي تركز على الرفاهية الرقمية الصحية، ممّا يكون له تأثير إيجابي أيضًا. ومن الحلول التكنولوجية الأخرى، تطوير تطبيقات تسمح للمستخدمين بتحديد أوقات معينة للاستخدام، ومنع الوصول إلى التطبيقات خارج هذه الأوقات، وهو أمر يساعد في ضبط الاستخدام المفرط.
وحيث أنّ الإلتزام القانوني أمر ضروري في هذا السياق، فإنّه يجب على الشركات ومصممي التكنولوجيا الإلتزام بالقوانين التي تهدف إلى منع الممارسات الإدمانية الضارة، مثل قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (كوپا) واللائحة العامة لحماية البيانات (جي دي پي آر)، التي تضع معايير لحماية خصوصية المستخدمين وإدارة البيانات، وهو ما يسهم في تقليل الممارسات الاستغلالية. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري أن تتدخل الحكومات من خلال سياسات عامة وإرشادات تنظيمية، تحدّ من تصميمات التطبيقات الإدمانية، وتشجّع على التوازن بين حرية الإبتكار والحماية من الإستغلال النفسي. في هذا الإطار، يمكن أن يكون للتعاون بين الشركات والمجتمع المدني دور مهم أيضًا في تطوير حلول تكنولوجية تقلل من الإدمان الرقمي، من خلال حملات توعية حول التكنولوجيا المسؤولة أو إطلاق مبادرات تعزز الصّحة النفسية.
في الختام، التكنولوجيا وُجدت لتسهيل حياة الإنسان، والتقدم التكنولوجي لا يمكن إنكاره، ولكن عندما يتداخل هذا التقدم مع السلوكيات الإدمانية، يطرح تحديات كبيرة تتعلق بالصحة النفسية والإجتماعية للفرد. لذلك، يتعين على الشركات والمصممين تحمل المسؤولية الأخلاقية في هذا المجال، والسعي لتحقيق توازن بين أهداف الأعمال ورفاهية المستخدمين. وفي هذا السياق، لا ينبغي التغاضي عن دور المستخدمين أنفسهم في اتخاذ قرارات واعية تحد من تأثيرات الإدمان الرقمي، عبر تعزيز نمط استخدام مسؤول ومعتدل للتكنولوجيا. كما يمكن للمستخدمين المساهمة في تشجيع المنافسة الصحية بين التطبيقات، من خلال اختيار التطبيقات التي تعكس التزاماً بالمسؤولية تجاه الصحة النفسية.
نيكول ميخايل
باحثة متخصصة في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات
مجازة في العلوم التقنية لتكنولوجيا المعلومات