تحمل الحرب النفسية في طياتها آثار عميقة مستدامة على صحة المدنيين والأطفال، تقارب ما هو متعارف عليه في المعارك التقليدية ومحمي بموجب القانون الدولي الإنساني، فتشمل مجموعة من التكتيكات التي تهدف إلى التلاعب الإعلامي والتضليل، إثارة القلق والتخويف، وزعزعة الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى ما تأثره في أبعادها الأخلاقية والإنسانية. تُعد هذه الأساليب والتكتيكات الحربية انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وعلى رأسها الحق في حياة كريمة والحق في السلامة النفسية، بحيث تنتج التهديدات المستمرة بوقوع الحرب حالة من “الإنتظار” المشوب بالقلق والخوف، تتعطل خلاله الحياة اليومية وطبيعة سير العجلة الإقتصادية، كما ويؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والجسدية للأفراد.
إعلامياً، يُستخدم التلاعب بالمعلومات كتكتيك أساسي في الحرب النفسية لنشر الشائعات والمعلومات المضللة، على نحو يؤدي إلى تضليل الحقائق وإثارة الخوف والذعر بين المدنيين. وغالبًا ما يتم استغلال وسائل التواصل الإجتماعي لنشر المعلومات العسكرية المضللة والأخبار الزائفة والدعاية السلبية حول التحركات العسكرية والخطط الاستراتيجية. قد تؤدي هذه التكتيكات إلى حالة تمرد واحتجاج بين المدنيين وتتسبّب برفع الميول العنفية منذرة باحتمال وقوع أعمال عدائية في المجتمعات المستهدفة، مما يُصعّد النزاعات ويُضعف التماسك الاجتماعي بشكل كبير في المناطق المتأثرة، وينتهك الحقوق الأساسية للسلامة والأمان والصحة النفسية.
إنسانيًا، تشير الدراسات السريرية الطبية إلى أنّ الحرب النفسية وما يرتبط بها من عدم اليقين والتوتر وتوقع العنف والصراع المسلح، تسبب ارتفاعًا كبيرًا في معدلات اضطرابات القلق والاكتئاب والصدمات النفسية التي يُمكن أن يكون لهما آثار منهكة على الصحة النفسية والجسدية، غالبًا ما تتبين عوارضها في حالات ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب. ولمّا كان الأطفال والمراهقون هم الفئة الأكثر عرضة لهذه التأثيرات، فإنه من الواجب التحذير أنّ الحرب النفسية غالبًا ما تؤدي إلى مشاكل طويلة الأمد في نموهم الجسدي والنفسي والاجتماعي، مما يؤدي إلى صعوبات في التعلم والسلوك ويخلف تأثيرات ضارة على تطور مهاراتهم وآفاقهم المستقبلية.
في المجال التعليمي، تُؤدي الحرب النفسية والتهديدات المستمرة بوقوع الحرب والدمار إلى تعطيل الأنظمة التعليمية بشكل كبير، مما يُقلل من معدلات الحضور والتحصيل الدراسي، كما ويضطر المدارس أن تغلق ابوابها، ممّا يؤدي إلى خسارة فرص الوصول إلى التعليم للجيل الناشئ وانخفاض قدرتهم على التركيز والتعلم بفعالية بسبب عامل الخوف والقلق. في هذا السياق، قد تدفع الظروف غير المستقرة العديد من الشباب إلى مغادرة بلادهم للبحث عن فرص تعليمية أفضل في أماكن أكثر أمانًا وهو ما يولّد بدوره أبعادًا في الصحة الأسرية والإجتماعية وحس الإنتماء للوطن. وعلى الرغم من أنّ بعض الأنظمة التعليمية قد تلجأ إلى التعليم عن بُعد كخطة بديلة في أوقات الأزمات، غير أنّ هذا التوجّه يواجه بتحديات كبيرة، خاصة في بلدان العالم الثالث، ومنها ضعف البنية التحتية التكنولوجية وعدم توفر الأجهزة المناسبة للطلاب، كما وقد يتسبّب بتفاقم الفجوة التعليمية بين الطبقات الاجتماعية المختلفة بسبب عدم قدرة جميع الطلاب على الوصول إلى التعليم الإلكتروني.
من الناحية العملية، قد تتسبب الحرب النفسية في فقدان العديد من الأشخاص لوظائفهم، حيث تُجبر الشركات والمؤسسات التجارية على إغلاق أبوابها بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وهو ما يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة والفقر. دائما ما تدفع هذه الأزمات الإقتصادية المترتبة عن الحرب النفسية الشباب إلى البحث عن فرص عمل في الخارج، وينتج عن ذلك هجرة الأدمغة، حيث يخسر الوطن الكفاءات الشابة التي كان من الممكن أن تساهم في تطويره. أما من ناحية الإقتصاد المحلي والذعر المالي المتمثل بتراجع الاستثمارات وهروب رؤوس الأموال، فإنّ ذلك يترك أثره على قيمة العملة المحلية مؤديًا إلى انخفاضها وارتفاع معدلات التضخم. وبدورها تُفاقم الإنتكاسة المالية من صعوبة الوضع الاقتصادي على نحو يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وهو ما يقلل من القدرة الشرائية للمواطنين ويزيد من تكلفة المعيشة، فيضع ضغوطًا نفسية إضافيًة على الأفراد والأسر، ويساهم بتوسيع فجوة التفاوت الإجتماعي.
في الختام، إنّ التعامل مع الأبعاد المتعددة والآثار المقلقة للحرب النفسية يستوجب إعداد استراتيجية شاملة لضمان سلامة المجتمع وحفظ أمن المدنيين واستقرارهم وحماية حقوقهم، كما ويتطلب تعاونًا دوليًا، وجهودًا مستدامة لضمان حماية المجتمعات. من هنا، فإننا ندعو السلطات المعنية للعمل بشكل جدي وعاجل على مكافحة آثار الحرب النفسية، من خلال رفع الوعي المجتمعي ونشر المعلومات الصحيحة المطمئنة خلال الأوقات التي يكثر فيها استخدام تكتيكات هذه الحرب، بالإضافة إلى تقديم الدعم الإقتصادي اللازم، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، وتعزيز القوانين والسياسات التي تحمي المدنيين والأطفال.