مقال | أحمد يميّن
مع تفاقم الأزمة وتنامي الأحداث وتسارع مجريات الحرب الَّتي أرخت بسوداويَّتها على وطننا الشّامخ لبنان، ووسط هذه العشوائيَّة السّالبة للألباب والعقول والمسيطرة على الوعي والإدراك، يعيش الطُّلّاب كما أهليهم حالةً مستمرَّةً ومتجدِّدة من التَّشتُّت والتّيه والضَّياع. وهذا ما يحدُّ قدرة الحبر الأعظم من النّاس إن لم نقل يمنعه من التَّصرُّف السَّليم أو إبداء ردّات الفعل المناسبة للتَّكيُّف والتَّأقلم مع هذه الأحداث في سبيل المضيِّ قدمًا نحو تفادي انعكاساتها وتبعيّاتها على الصَّعيدين الجسديِّ والنَّفسيِّ.
ولا بدَّ من الإشارة إلى دور التَّثقيف ونشر الوعي في هذا الإطار، لضمان التّصرُّف العقلانيِّ والسُّلوك الأخلاقيِّ إيمانًا بدور المربّي المعلِّم وقدرته على التَّأثير وإحداث علامةٍ فارقةٍ. وبما أنَّنا نتحدَّث عن التَّربية والتَّعليم، فإنَّ ما سنذهب إليه في هذا المقال لا يقلُّ أهمِّيَّةً عن الرِّسالة السّامية الَّتي يحملها هذا المربّي المعلِّم. فهو استتباعٌ لدوره، واستكمالٌ لرسالته السّامية حتّى في ظلِّ الأخطار المحدقة. لذلك، فمهمَّة المقال تتمحور حول عرض بعض الوسائل والخطوات الاستراتيجيَّة الفعّالة الَّتي يمكن اتِّباعها مع الطُّلّاب بمراعاة الفروقات والاختلافات العمريَّة والجندريَّة والبيئيَّة على تنوُّع أماكن توزُّعهم. وبذلك أعني: البيئة المدرسيَّة، مراكز اللُّجوء والإيواء، المنزل.
مع تطوُّر أساليب المعيشة وظروف الحياة المستمرِّ، يتنامى الرّوتين الحياتيُّ ليخلق حالةً من البلادة الَّتي توهم الإنسان بدوام الرَّفاهيَّة وأسبابها. ولعلَّ هذا الوهم هو العامل الأوَّل في افتقار كثيرٍ من النّاس إلى ثقافة السَّلامة الوقائيَّة، لأنَّ الحاجة إليها تكاد تكون معدومةً. ومع اجتياح أيِّ طارئٍ يواجه الإنسان الصَّدمة: صدمة فقد أسباب الرّاحة والرَّفاهيَّة مادِّيَّةٌ كانت أم معنويَّةً، وصدمة العجز عن اتِّخاذ الإجراءات المناسبة لدرء الأخطار ودفعها عنه وعمَّن يحبُّه. وهذا يولِّد بدوره شعورًا بالتَّهديد ذا انعكاساتٍ نفسيَّةٍ وجسديَّةٍ على المدى القريب والبعيد، يستحسن التَّنبُّه إلى خطورتها لتفاديها والعمل على الحدِّ منها ولجم تدهورها. يمكن للتَّربويّين في هذا الإطار القيام بإجراءاتٍ متعدِّدةٍ تناسب الزَّمان والمكان المناسبين حرصًا على تفاعل الطّالب شابًّا كان أم طفلًا على الصَّعيد النَّفسيِّ والجسديِّ والاجتماعيِّ والوطنيِّ. ويمكن تمثيل هذه الإجراءات بما يأتي:
أولًا: نفسيًّا
لا بدَّ للمربّي والمعلِّم من إدراك أنَّ الطّالب مرَّ ويمرُّ بتجارب مؤلمةٍ تؤثِّر في تركيزه سلبًا، وتعيق قدرته على التَّواصل والسُّلوك السَّليمين. وهذا يستوجب القيام بجلسات دعمٍ نفسيٍّ على اختلاف وسيط البيئة الجامعة (المدرسة، مركز اللُّجوء، المنزل/ من بعد). تهدف هذه الجلسات إعادة تفعيل قناة التَّواصل الإيجابيَّة بين الطّالب ومحيطه، فهو بالخوف يتَّخذ من الانعزال والانطواء والكتمان أو العنف والتَّمرُّد وسيلةً للدِّفاع عن نفسه. وفي كلا الحالين ينبغي التَّصرُّف بعقلانيَّةٍ وتروٍّ، منعًا لجرِّ الطّالب إلى التَّمادي في ردّات فعله. لذلك، فإنَّ الجلسات الحواريَّة القائمة على المناقشة والمشاركة والتَّفاعل يمكنها أن تخطو خطواتٍ محمودةٍ لخدمة هذا الهدف، ومثال ذلك: التَّعبير عن المشاعر، جلسات الشُّكر (استذكار النِّعم)، مشاركة التَّجارب، الجلسات الفرديَّة بالتَّنسيق مع المتخصِّصين والمعنيّين والأهل.
ومن الجدير بالذِّكر أنَّ سياسة الأهل المنزليَّة في المبالغة بالتَّعاطي مع الوقائع تبثُّ في نفس هذا الطّالب من السَّلبيَّة ما هو كفيلٌ بإحباطه. لذلك، فإنَّ توعية الأهل بضرورة التَّخفيف من اطِّلاع الطّالب على الأخبار بالصّورة العاجلة، ورفع نسبة التَّعاطي والتَّفاعل معه ومساعدته في التَّعبير عن آرائه وأفكاره ومشاعره، والتَّفرُّغ له كلَّ حينٍ إجراءاتٌ مفيدةٌ للحدِّ من القلق المتنامي لدى هذا الطّالب.
ثانيًا: جسديًّا
من المهمِّ في هذه الأزمة تعلُّم سبل الوقاية والعلاج. وأهمِّيَّة ذلك تكمن في الثِّقة الَّتي تتعزَّز لدى الطّالب من قدرته على التَّصرُّف والتَّعامل مع الطَّوارئ حتّى تتأمَّن التَّغطية الصِّحِّيَّة الملائمة، من جهةٍ وجعله عنصرًا فعّالًا ومسؤولًا في الأزمات من جهةٍ أخرى. وفي هذا الإطار، يبرز دور القطاع التَّربويِّ في إعداد المعلِّمين والتَّربويّين وتأهيلهم بالخضوع لدوراتٍ تدريبيَّةٍ حول الإسعافات الأوَّليَّة والتَّصرُّف في حالات الطَّوارئ، ثمَّ تثقيف الطُّلّاب وتزويدهم بالمهارات المساعدة على التَّعاطي مع أيِّ طارئٍ بالحدِّ الأدنى. وتشمل هذه المهارات: التَّنفُّس وضبط النَّفس، التَّعامل مع حالات الاختناق، الإجلاء، كيفيَّة التَّصرُّف أثناء الحرائق، كيفيَّة التَّعاطي مع الجروح والكسور والحروق، التَّعامل مع الصَّدمات، التَّعامل مع حالات الهلع، تقديم الدَّعم للفئات الأضعف … ويسبق التَّصرُّف مجموعة خطواتٍ عمليَّةٍ تبدأ بتقييم الحالة ثمَّ طلب المساعدة فالتَّصرُّف بما يحدُّ من تفاقم الحالة أو يخفِّف من حدَّتها ريثما تصل المساعدة. وتختلف طبيعة الدُّروس المعطاة ومواضيعها بمراعاة الاختلافات العمريَّة والجندريَّة، إذ لكلِّ فئةٍ خصائصها النَّفسيَّة والجسديَّة المميِّزة.
ومن المهمِّ في هذه الظُّروف تسليط الضَّوء على كيفيَّة التَّصرُّف أثناء حصول عدوان (الهروب، عدم التَّجمُّع، رصد منافذ الخروج …)، إلى جانب إجراءات التَّعامل مع القنابل الفوسفوريَّة الحارقة للوقاية من ضررها، سواءً أكان المتعرِّض هو الطّالب نفسه أو المحيط القريب. يمكن الالتزام بالإرشادات الصّادرة عن المركز اللُّبنانيِّ للأعمال المتعلِّقة بالألغام المعمَّمة عبر موقع الجيش اللُّبنانيِّ الرَّسميِّ ونصُّها:
طريقة التَّصرف عند رؤية قذيفةٍ غير منفجرةٍ
الابتعاد قدر الإمكان والإبلاغ فورًا وعدم تحريكها.
طريقة التَّصرُّف عند تعرُّض المحيط القريب للقصف بواسطة الفوسفور الأبيض
عند التَّعرُّض للدُّخان بشكلٍ مباشر الابتعاد قدر الإمكان والتَّوجُّه بعكس اتِّجاه الرّيح لمنطقةٍ آمنةٍ.
وضع قطعةٍ قماشيَّةٍ مبلَّلةٍ إذا أمكن على الأنف والفم للَّتنفُّس من خلالها.
عند الوصول إلى مكانٍ آمنٍ خارج المنطقة المستهدفة خلع الملابس ورمي الكمامات المستخدمة فورًا، وغسل الجسم بالماء، ومن ثمَّ طلب العناية الطِّبِّيَّة.
طريقة التَّصرُّف عند التَّعرُّض للفوسفور الأبيض بشكلٍ مباشرٍ
العمل على إزالة قطع الفوسفور العالقة على الجلد بالوسائل المتوفِّرة.
اغسل مكان الإصابة بالماء بكثرةٍ لمدَّة خمس عشرة دقيقةً إذا أمكن.
قم بخنق الفوسفور الأبيض وعزله عن الهواء باستخدام قطعة قماشٍ مبلَّلةٍ، ريثما تصل فرق المساعدة، مع الانتباه إلى أنَّ الفوسفور سيعاود الاشتعال تلقائيًّا فور تعرُّضه للهواء.
وكذلك، التَّوعية حول مخاطر الألغام والقنابل والقذائف غير المنفجرة وأشكالها، وضرورة الابتعاد عن أيِّ جسمٍ غريبٍ والتَّبليغ عنه فور رصده.
ثالثًا: اجتماعيًّا
انطلاقًا من الخاصِّيَّة الاجتماعيَّة للإنسان، نلاحظ أنَّه بحاجةٍ إلى الشُّعور بالانتماء للحفاظ على نوعه.لذلك، يجب العمل على تعزيز الرَّوابط الاجتماعيَّة بين الطُّلّاب ومحيطهم. وبما أنَّهم يشتركون في همٍّ واحدٍ وقضيَّةٍ موحَّدةٍ، ويواجهون الخطر نفسه فإنَّه من المهمِّ ترسيخ مجموعةٍ من القيم الاجتماعيَّة في الذِّهنيَّة الجماعيَّة للطُّلّاب كالتَّعاون والتَّضامن والمبادرة. تكمن أهمِّيَّة هذا النَّوع من التَّثقيف في الحدِّ من فرديَّة التَّصرُّف الَّتي – وإن كانت واعيةً عقلانيَّةً – قد تضرُّ بالكلِّ أو تبطئ الإنتاج وتحدُّ منه. وعليه، فإنَّ العمل الجماعيَّ والتَّعاون يخفِّفان من الضَّغط، إلى جانب أنَّ نشر ثقافة العمل التَّطوُّعيِّ وروح المبادرة يجعل الطّالب مسؤولًا قادرًا على الإنتاج لا على صعيده الفرديِّ الذّاتيِّ فحسب، إنَّما على صعيد المجتمع المحيط به أيضًا. إضافةً إلى أنَّ هذه السِّياسة تعزِّز ثقة الطّالب بنفسه، والأمان الاجتماعيِّ نتيجة دعم الأفراد بعضهم بعضًا وتوحيد جهودهم وأهدافهم. ومن الأمثلة على ذلك، يمكن:
إنشاء مجموعات دعمٍ: وهي فرقٌ طلّابيَّةٌ تتضافر جهودها لمشاركة التَّجارب والدَّعم النَّفسيِّ ومساعدة بعضهم في التَّعامل مع الضُّغوطات النَّفسيَّة. بالإضافة إلى تنظيم أنشطةٍ تعليميَّةٍ وترفيهيَّةٍ مشتركةٍ تجمع الطُّلّاب، مثل ورش العمل أو الفعّاليّات الثَّقافيَّة.
ولتحقيق هذا الهدف يمكن الاستفادة من التَّنوُّع على عدّة أصعدة، منها
أ- الصَّعيد الفنِّيِّ: الإبداع الفنِّيُّ خطوةٌ مميَّزةٌ وفاعلةٌ في التَّخفيف من الضَّغط، والتَّعبير عن المشاعر. وفي ظلِّ هذه الأزمة، يمكن للطُّلّاب أن يتوجَّهوا إلى توثيق هذه المرحلة بالرَّسم والتَّلوين والنَّحت وبناء الأشكال والمجسَّمات الَّتي قد يبدعها خيالهم الخصب.
ب- الصَّعيد الأدبيّ: تعدُّ الكتابة شكلًا آخر من أشكال التَّعبير عن الذّات والهويَّة، وهي قد تبدو خطوةً أخرى فاعلةً لتميُّز الطُّلّاب وإبداعهم سواءً أكان هذا الإبداع نثرًا أم شعرًا. وبذلك يتشارك الطُّلّاب هواياتهم وإبداعاتهم، كما يتشاركون أفكارهم وآراءهم وهمومهم.
ج- الصَّعيد العلميِّ: إنَّ الإبداع يولد من رحم المعاناة. ولا شكَّ في أنَّ الأدوات والوسائل تنشأ نتيجة الحاجة إليها. وفي هذا الإطار، يمكن الإفساح في المجال أمام الطُّلّاب ذوي التَّوجُه العلميِّ للمشاركة في إبداع حلولٍ علميَّةٍ عمليَّةٍ لبعض المشاكل، يسمح لهم بالتَّعبير عن أفكارهم وتشارك معلوماتهم ومعارفهم.
تنظيم حملاتٍ تطوُّعيَّةٍ: تشجِّع الطُّلّاب على المشاركة في حملات لتوزيع المساعدات على الأسر المحتاجة، أو تعليم الطُّلّاب الأصغر سنًّا ومساعدتهم في إنجاز مهمّاتهم. ولإنجاز هذا الغرض، ينبغي تقديم تدريباتٍ مكثَّفةٍ على كيفيَّة التَّعامل مع الأزمات والمساعدة في الإغاثة.
هذه الأمثلة وغيرها يمكن أن يشكِّل خطواتٍ عمليَّةٍ فعّالةٍ على مختلف الأصعدة. بالإضافة إلى إمكانيَّة الاستفادة من المجال الرَّقميِّ في إبداعٍ رقميٍّ ينقل هموم الجيل والأمَّة، ويوثِّق اللَّحظات المعاشة للأمم الأخرى وللأجيال القادمة. وبتوجيه الطُّلّاب نحو استكشاف ذواتهم والتَّصالح مع أفكارهم ومشاعرهم والانفتاح على أنفسهم والآخر، ومساعدتهم على ضبط اندفاعهم واستثماره على نحوٍ إيجابيٍّ، ينشأ من بينهم جيلٌ ناقدٌ مبدعٌ ينظر إلى الأمور والوقائع من زاويةٍ أخرى توفِّر أرضًا خصبةً لبيئةٍ سلميَّةٍ تتَّسم بالتَّفكير النَّقديِّ والابتكار الإبداعيِّ.
رابعًا: وطنيًّا
إنَّ الواجب الوطنيَّ يستدعي من الكلِّ أن يحمي الكلَّ ويدعمه إيمانًا بمبدأ “الجسد الواحد”. لذلك، فإنَّه من الضَّروريِّ في زمن الشَّتات والتَّشرذم إعادة خلق قوى جذبٍ مركزيَّةٍ تعيد نفخ الرّوح الوطنيَّة، وتبثُّ العزيمة الجمعيَّة لحماية الوطن، بل والحرص على تقدُّمه وازدهاره. ولا يتقدَّم الوطن إلّا بتقدُّم الفكر وازدهاره. وحرصًا على هذه الغاية، لا بدَّ من تضافر الجهود في تعزيز مبادئ العدل والمساواة والاحترام والتَّقبُّل وترسيخها في الوسط الطُّلّابيِّ. وذلك في سبيل تعزيز الشُّعور بالانتماء إلى هذا الوطن بالشُّعور بأنَّ الطّالب ذو قيمةٍ إنسانيَّةٍ وعلميَّةٍ فيه. ومن الوسائل الفاعلة في هذا الإطار، نذكر:
التَّعليم والتَّثقيف الوطنيَّين: يستهدف ذلك تسليط الضَّوء على الإبداعات الفكريَّة والعلميَّة الَّتي شهدها لبنان منذ فجر نشأته، وبما لعبه من دورٍ تاريخيٍّ وسياسيٍّ ودوليٍّ في المنظَّمات الدَّوليَّة والعالميَّة في دعم حقوق الإنسان. بالإضافة إلى إبراز أهمِّيَّة دور لبنان على الصَّعيدين العربيِّ والدَّوليِّ كونه بلدًا غنيًّا بالموارد الفكريَّة والطَّبيعيَّة. كما يمكن:
تنظيم ورش عملٍ: تقوم على أنشطةٍ تفاعليَّةٍ تبرز غنى الشَّعب اللُّبنانيِّ وتنوُّعه، وتركِّز على أهمِّيَّة التُّراث والثَّقافة اللُّبنانيَّين العربيَّين.
تعزيز القيم الوطنيَّة: بإشراك الطُّلّاب بندواتٍ وجلساتٍ حواريَّةٍ ومناقشاتٍ تشجِّع الطُّلّاب على مناقشة قضايا وطنيَّةٍ، وتبادل الآراء حول كيفيَّة تحسين مجتمعاتهم.بالإضافة إلى تعليم الطُّلّاب حقوقهم وواجباتهم كمواطنين، وكيف يمكنهم المساهمة في بناء الوطن.
الأنشطة التَّفاعليَّة: القائمة على المشاركة والتَّعاون وتعزيز الرَّوابط. وذلك بتنظيم اجتماعاتٍ ولقاءاتٍ واحتفالاتٍ تضمُّ طلّابًا من مختلف المدارس والمناطق لتبادل الثَّقافات والأفكار، والتَّعاون في مشاريع تعليميَّةٍ تتخطّى المنطقة الواحدة، بحيث يشارك الطُّلّاب على اختلاف انتماءاتهم وتنوع معتقداتهم بتوفُّر فرصٍ عادلةٍ أمامهم ليعبِّروا عن أنفسهم.
دور وسائل الإعلام: لوسائل الإعلام أثرٌ مهمٌّ في السِّلم كما في الحرب. فهي بتسليط الضَّوء على القيم الوطنيَّة وقصص النَّجاحات المحلِّيَّة الَّتي تبرز إنجازاتٍ فرديَّةٍ وجماعيَّةٍ في ظلِّ الحرب، تكوِّن مصدر إلهامٍ للطُّلّاب. ومثال ذلك، احتضان اللُّبنانيّين أهلهم وإخوتهم من المهجَّرين، وتضامنهم في سبيل توفير الأمن والأمان لهذه الفئة المستضعفة، محطِّمين بذلك قيود المذهبيَّة والطّائفيَّة ومتجاوزين حدود الخلافات السِّياسيَّة الَّتي لطالما كانت عائقًا أمام تقدُّم الوطن وازدهاره.
إنَّ هذه الدَّور يعكس صورة الإرادة الشَّعبيَّة المترسِّخة في اللّاوعي الجماعيِّ، والرَّغبة المتأصِّلة في التَّعايش وإنشاء وطنٍ مشتركٍ قوامه العيش المشترك.
بناء الرَّوابط مع المجتمع: تتَّسم هذه المبادرة بتفعيل الدَّور الطُّلّابي في المشاركة الفاعلة بنشاط المجتمع المدنيِّ، وذلك بالتَّعاون مع المنظَّمات غير الحكوميَّة لتنظيم برامج مشتركةٍ تعزِّز الحسَّ الوطنيَّ.
الدَّعم النَّفسيِّ والاجتماعيِّ: يرتكز على تقديم برامج دعمٍ نفسيٍّ تساعد الطُّلّاب على التَّعامل مع المشاعر السَّلبيَّة المرتبطة بالحرب، بإشراف المعنيّين والمتخصِّصين في هذا المجال وإعادة تأهيلهم لتقبُّل الذّات والآخر والاندماج في المجتمع. ويمكن لوزارة التَّربية والتَّعليم العالي القيام بحملةٍ مشتركةٍ مع مؤسَّسات المجتمع المدنيِّ أو جهاتٍ صحِّيَّةٍ إرشاديَّةٍ لتوفير هذا الدَّعم للطُّلّاب.
التَّعليم البديل والتَّعلُّم الذّاتي: من المهمِّ في هذه المرحلة ضمان استمرار العمليَّة التَّعلُّميَّة والتَّعليميَّة، والحرص على ألّا ينقطع الطُّلّاب عن مصادر العلم والمعرفة والثَّقافة خصوصًا في هذه المرحلة. وفي ظلِّ الحرب، وغياب الفرصة لتساوي الفرص أمام الجميع في الوصول إلى التَّعليم، يمكننا الحديث عن وسائل وحلول مؤقَّتة لاجتياز هذه الفترة. وبذلك، نقف على مفهومي “التَّعليم البديل” والتَّعلُّم الذّاتيِّ”
أ- التَّعليم البديل: ويشمل
* التَّعليم من بعدٍ: استخدام التِّكنولوجيا لتقديم المحتوى التَّعليميِّ عبر الإنترنتِّ.
التَّعليم التَّجريبيَّ: يشمل التَّعلُّم من خلال الأنشطة العمليَّة والتَّجارب الحياتيَّة، ممّا يساعد الطُّلّاب على اكتساب مهارات جديدةٍ بشكلٍ مباشرٍ.
التَّعليم بالمجموعات
ب- التَّعليم الذّاتيُّ: عمليَّةٌ يقوم فيها الفرد بتوجيه نفسه نحو التَّعلُّم من خلال استراتيجيّاتٍ مختلفةٍ، دون الاعتماد الكامل على المعلِّمين. ويشمل
تحديد الأهداف: يحدِّد الطُّلّاب ما يريد تعلُّمه، ما يزيد من دافعهم ويركِّز جهودهم.
اختيار الموارد: الكتب – الدَّورات الإلكترونيَّة – الفيديوهات التَّعليميَّة …
تطوير مهارات البحث: يتعلَّم الطُّلّاب كيفيَّة البحث عن المعلومات والتَّحقُّق من صحَّتها، ممّا يعزز مهارات التَّفكير النَّقديِّ.
التَّقييم الذّاتيَّ: يمكِّن الطُّلّاب من تقييم تقدُّمهم وفهمهم للمادَّة، ممّا يساعدهم على تعديل استراتيجيّات التَّعلُّم الخاصَّة بهم.
تحديد الأهداف: يحدِّد الطُّلّاب ما يريد تعلُّمه، ما يزيد من دافعهم ويركِّز جهودهم.
اختيار الموارد: الكتب – الدَّورات الإلكترونيَّة – الفيديوهات التَّعليميَّة
تطوير مهارات البحث: يتعلَّم الطُّلّاب كيفيَّة البحث عن المعلومات والتَّحقُّق من صحَّتها، ممّا يعزز مهارات التَّفكير النَّقديِّ.
التَّقييم الذّاتيَّ: يمكِّن الطُّلّاب من تقييم تقدُّمهم وفهمهم للمادَّة، ممّا يساعدهم على تعديل استراتيجيّات التَّعلُّم الخاصَّة بهم.
في ظلِّ الأزمات والحروب، يصبح هذا النَّوع من التَّعليم فعّالًا لضمان استمراريَّة عمليَّة التَّعليم وتطوير المهارات. كما تساهم هذه الأنماط التَّعليميَّة في تعزيز استقلاليَّة الطُّلّاب وقدرتهم على التَّكيُّف مع الظُّروف المتغيِّرة. ومع ذلك، لا يمكن اتِّباع هذه الأنماط بصورةٍ عشوائيَّةٍ دون تنظيمٍ وإدارةٍ واعيين وإلّا انعكس ذلك سلبًا على المتعلِّم: إضاعة الجهد – إضاعة الوقت – إضاعة المال.
إنَّ هذه السِّياسات والإجراءات جميعها تدور في إطار التَّربية والتَّعليم ولا تنحرف عن هذا المسار، وميزتها الأساسيَّة أنَّها متطوِّرة لتناسب كلَّ زمانٍ ومكانٍ. فالتَّربية والتَّعليم عمليَّةٌ كاملةٌ متكاملةٌ تستدعي تضافر الجهود وتعاضد الأقطاب كافَّةً لتهيئةٍ جيلٍ يجنِّب الأمَّة زلّات الأمس، ويهيِّئها للرِّيادة. وليست الإجراءات السّالف ذكرها حصريَّةً، إنَّما يمكن تعديلها وتطويعها بما يتناسب مع أعمار الطُّلّاب والسِّياق الَّذي يعيشون فيه، ممّا يساعدهم على مواجهة تحدِّيات النِّزاع مع الحفاظ على قيمهم وهويَّتهم.
ختامًا، لا بدَّ من أن نستذكر الميثاق التَّأسيسيَّ لليونسكو الَّذي نصُّه: ”لمّا كانت الحروب تتولَّد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السَّلام.” وعليه، فبناء السَّلام وتحقيقه لن يتمَّ ما دامت عقول الأفراد والجماعات غير مهيَّئةٍ للسَّلام. ومن الجدير بالذِّكر أنَّ السَّلام سياسةٌ تثقيفيَّةٌ يتمُّ توعية الشُّعوب والأجيال عليها منذ نعومة أظافرهم، وهي إجراءاتٌ تربويَّةً تعليميَّةٌ توفِّر بيئةً حاضنةً وأرضًا خصبةً لنموِّ بذوره. وبالتَّربية والتَّعليم يرتجى توفير هذه البيئة، وتحصين هذه العقول وصياغة أفكارها، بل وإطلاقها لتبدع سلامًا واقعيًّا عمليًّا يكون الوطن فيه هو الهدف الأوَّل والأخير.
أحمد يمّين
مدرّس ومدرب
متخصص في استراتيجيات التعليم عن بُعد
حاصل على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها (البحث واللغويات)