مقال | نيكول ميخايل
مع تقدم التكنولوجيا وانتشار الألعاب الإلكترونية والتطبيقات الهاتفية في مختلف المجالات، أصبح للألعاب دور فعّال في المجالات التعليمية والتدريبية، على النحو الذي يعزز من قدرة الطفل الاستيعابية والفهمية ومهاراته الإبداعية. من خلال التصميم الجيد للألعاب، يمكن أن تخدم الألعاب كوسيلة فعّالة لتعليم الأطفال مفاهيم جديدة وتحقيق تعلم مرح ومسلي، بحيث تساهم في جذب إنتباه الطفل وتحفيزه على التعلم، وحثّه على تحقيق الأهداف. ومع ذلك، يجب أن تكون الأهداف التعليمية واضحة ومحددة، فإنّه مع تزايد استخدام الألعاب الإلكترونية في حياة الأطفال، يبرز السؤال حول أخلاقيات التلعيب والإطار الأخلاقي للتقنيات المعتمدة في ابتكار هذه الألعاب لضمان سلامة الأطفال عند استخدامها
إنّ فهم البعد التقني لتطوير الألعاب الإلكترونية يتطلب التعرف على كيفية تعزيز تفاعل المستخدمين من خلال دمج عناصر تصميم الألعاب في سياقات تعليمية أو تربوية هادفة إلى تعديل سلوكيات الطفل، بمساعدته على تبني سلوك معتدل وسليم واعتماد توجهات أخلاقية. في البداية، هدفت تقنيات اللعبنة إلى استغلال رغبة الفرد الطبيعية في التواصل والتعلم والتعبير عن الذات، والتنافس وتحقيق المكانة والإنجاز؛ وعلى مدار الخمس والعشرين سنة الماضية، شهدنا ارتفاعًا ملحوظًا في استخدام الألعاب الإلكترونية في البيئات التعليمية والمهنية. وسواء في منصات التعلم الإلكتروني، أم في برامج الشركات التدريبية، أثبتت الألعاب الإلكترونية فعاليتها في تعزيز المعرفة والتفاعل بين الناس؛ وقد وجدت دراسة في «أم أي تي سلون» أن الألعاب الابتكارية ساعدت المشاركين على توليد أفكار أكثر وأفضل. ومن خلال تطبيق عناصر اللعبة، مثل النقاط والشارات ولوحات المتصدرين، حوّلت الألعاب التعليمية إلى تجربة أكثر انغماسًا ومتعة، وهو ما شكّل عامل جذب لمجموعة واسعة من المتعلّمين من مختلف الفئات العمرية، وعبر مختلف المنصات الصناعية
من جانب آخر، تتطلب الاعتبارات الأخلاقية في تصميم الألعاب نهجًا متعدد الأبعاد، لتطوير محتوى ملائم للمراحل العمرية، وذات طابع تعليمي يتماشى مع احتياجات النمو، إلى جانب تصميم أنظمة مكافآت تشجع السلوكيات الإيجابية دون تعزيز الإدمان، مع مراعاة الضوابط القانونية وتفعيل الآليات الرقابية على المحتوى لضمان أنه مناسب وآمن للأطفال. أخذًا بهذه الإعتبارات، استخدم «يوتيوب كيدز» آلية مرشحات المحتوى، وتم العمل على توظيف مراجعين متخصصين بالرقابة على المحتوى، مهمتهم الحفاظ على بيئة آمنة للمشاهدين الصغار. في هذا الإطار، أصبح من الضروري وجود أنظمة فعالة لفرض الإعتدال في المحتوى الذي يتعرض له الأطفال، من خلال تطوير تقنيات تعمل على تصفية المواد غير المناسبة، إذ أنّ بعض الألعاب قد تحتوي على محتوى غير لائق أو ذات طابع عنفي، يمكن أن يؤثر سلبًا على سلوك الأطفال ونظرتهم للعالم من حولهم. بالإضافة إلى ذلك، كان من اللازم ابتكار تقنيات تهدف إلى اكتشاف التفاعلات الضارة، لضمان حماية المستخدمين من التنمر الإلكتروني، التحرّش والسلوكيات المؤذية. من هنا، برزت أهمية وجود سياسات واضحة لحماية الأطفال من الإعلانات التي تستغلهم أو تعرض لهم رسائل غير مناسبة، وذلك مراعاة لتأثيرها على سلوكهم وتطورهم. ففي هذا الشأن، يجب على المطوّرين للألعاب الإلكترونية الالتزام بمواثيق الأخلاق المهنية التي وضعتها الهيئات المختصة بالهندسات الإلكترونية، مثال جمعية الحوسبة الآلية ومعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات، وغيرها من الجهات التي تقدم إرشادات للحفاظ على النزاهة، المساءلة واحترام الخصوصية في تصميم وتنفيذ التكنولوجيا.
في السياق عينه، من المهم أن يتم الامتثال لأنظمة حماية البيانات مثل اللائحة العامة لحماية البيانات، وقانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت، التي تفرض ضوابط صارمة على جمع البيانات، معالجتها وتخزينها، خاصةً بالنسبة للأطفال. خصوصية الأطفال هي مسألة ذات أهمية قصوى في العصر الرقمي، يجب تسليط الضوء عليها، بحيث تضع المبتكرين أمام عدة إشكاليات وتساؤلات، منها: كيف تجمع البيانات من الأطفال دون المساس بخصوصيتهم؟ وما هي الضمانات التي يجب وضعها لمنع إساءة استخدام المعلومات الشخصية؟ فبعض الألعاب تطلب معلومات شخصية من المستخدمين وهذه المعلومات قد تكون حساسة. لذلك، يجب أن تكون هناك ضوابط لحماية بيانات الأطفال وعدم استخدامها لأغراض تجارية، مماثلة لقانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت في الولايات المتحدة، والتي تفرض إرشادات صارمة للخدمات عبر الإنترنت الموجهة للأطفال دون سن 13 عامًا .من المهم أيضًا من الناحية التقنية تطوير الخوارزميات القوية التي تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على أمان البيانات وخصوصيتها في إطار التلعيب الأخلاقي، بالإضافة إلى استخدام آليات التشفير وتقليل البيانات، وتنفيذ التغذية الراجعة المستمرة والمراجعات الأخلاقية المنتظمة لتقييم تأثير عناصر التلعيب.
في منحى آخر، يجب أن تكون الابتكارات الموجهة للأطفال ذات منحى شمولي، بحيث تكون متاحة لجميع الأطفال، بغض النظر عن الحالة الاجتماعية، القدرات الاقتصادية أو الموقع الجغرافي. يجب على مصمّمي الألعاب الإلكترونية مراعاة الاحتياجات المتنوعة للمستخدمين، من خلال إنشاء محتوى متنوع ثقافيًا واقتصاديًا – يمكن استخدامه على أجهزة منخفضة التكلفة أو دون الحاجة للإتصال بالإنترنت، لضمان وصول جميع الأطفال لهذه الألعاب والإستفادة من محتواها التعليمي أو التربوي. على سبيل المثال، يمكن تضمين هذه الألعاب والتطبيقات ميّزات خاصة، مثل القارئات الصوتية، وأحجام النص القابلة للتعديل وطرق الإدخال البديلة للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة. في مسعى منها للترويج لهذه الشمولية، أطلقت مؤسسة «ورشة سمسم» مبادرة “رؤية العظمة في جميع الأطفال” من خلال عرض شخصيات مصابة بالتوحد في محتوى «شارع سمسم»؛ كما هدفت مبادرة ”الذكاء الإصطناعي من أجل الخير“ التابعة لمنظمة اليونسكو إلى إنشاء أدوات ذكاء اصطناعي غير متحيزة للتعليم، بما في ذلك تلك الخاصة بالأطفال.
في ظل المخاطر والمحاذير المحيطة، تبرز الحاجة الملحة لتشجيع الأهل والمعلمين على لعب دور فعّال من خلال المشاركة والمراقبة لضمان استفادة الأطفال من الألعاب بطرق إيجابية وآمنة، كما يتعين عليهم توجيه أطفالهم نحو الألعاب التي تعزز التعلم وتنمي المهارات. لقد أدركت الشركات الناشئة في مجال التقنية الأسرية مثل «فامتيك» هذا التحدي، وقامت بتطوير أدوات للرقابة الأبوية والمراقبة لمواجهته، بحيث تسمح هذه الأدوات للآباء بوضع حدود لوقت الشاشة، وحجب المحتوى غير المناسب، ومراقبة نشاطات الأطفال على الإنترنت. وفي مثال آخر، تقوم تطبيقات مثل «بارك» بتحليل الرسائل النصية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني لاكتشاف المخاطر المحتملة، مثل التنمر الإلكتروني أو المحتوى الصريح. بفضل هذه الأدوات، يمكن للآباء أن يشعروا بالاطمئنان تجاه أمان أطفالهم على الإنترنت. في الختام، تعتبر الألعاب أداة قوية يمكن أن تكون لها تأثير إيجابي على تعلم الأطفال وتطورهم؛ إنّما يجب أن نتعامل مع هذه الأدوات بحذر ومسؤولية، تطبيق سياسات خصوصية واضحة ومفهومة لكلا الوالدين والأطفال، بالإضافة إلى بروتوكولات الموافقة الأبوية الموثقة وغيرها من السياسات والتقنيات التي تعدّ أمرًا حيويًا لحماية مصالح المستخدمين الصغار، لضمان أن الأطفال يحصلون على أفضل تجربة ممكنة بطريقة آمنة ومفيدة.
نيكول ميخايل
باحثة متخصصة في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات
مجازة في العلوم التقنية لتكنولوجيا المعلومات