مقال | شروق مستور
بعد مرور عشرة أشهر على الحرب في غزة، تبرز مسألة توفر الغذاء كأحد القضايا البارزة التي تتطلب تسليط الضوء عليها. فقد أدى الحصار المفروض على المدينة والتدمير الواسع للبنية التحتية، بالإضافة إلى إغلاق سبل المساعدات الإنسانية، إلى تفاقم أزمة الغذاء بشكل كبير. وقد تحول الحديث إلى من يتحمل المسؤولية عن توفير الأغذية الصحية والكافية للمتضررين من الحرب، في ظل رفض “إسرائيل” الامتثال لمبادئ القانون الدولي.
وفقاً لما خلص إليه مؤتمر القمة العالمي للأغذية الذي عُقد في عام 1996، يُعرّف الأمن الغذائي بأنه حالة تتحقق عندما يتمتع جميع الناس، في جميع الأوقات، بإمكانية الحصول المادي والاقتصادي على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية وتفضيلاتهم من أجل حياة نشطة وصحية. ولكن مفهوم الأمن الغذائي يتغير بشكل كبير خلال فترات الحروب والأزمات مقارنة بالأوقات العادية. في ظل الحصار والقيود المفروضة، يصبح توفير الوجبات الأساسية، أو حتى وجبة واحدة صحية في اليوم، أمراً صعب التحقيق.
في الحروب، يصبح الطعام من المواد النادرة، خاصة في حالة الحصار، مما يجعل الغذاء الصحي المتكامل بديلاً غير متاح. الأولوية تتحول إلى ضمان الحصول على الحد الأدنى من الغذاء للبقاء على قيد الحياة، بغض النظر عن المواصفات الصحية المثالية. في قطاع غزة، يعاني جميع السكان من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، المصنّف بحسب التصنيف المتكامل ضمن المرحلة 3 (حالة أزمة) أو المرحلة 4 (حالة طوارئ) أو المرحلة 5 (حالة كارثة). ويشمل ذلك نصف السكان تقريباً، أي نحو 1.11 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الكارثي. هذا وقد أشار المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إلى أنّ المساعدات الإنسانية لم تصل إلى محافظتَي غزة وشمال غزة منذ أكثر من شهرين؛ كما صرّحت «سيندي ماكين»، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، أن “الناس في غزة يتضورون جوعاً حتى الموت الآن. إن السرعة التي انتشرت بها أزمة الجوع وسوء التغذية—التي هي من صنع البشر—في غزة أمر مرعب”.
وفقاً للقانون الدولي الإنساني، يتحمل كل طرف في نزاع مسلح المسؤولية الأساسية عن ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان الواقعين تحت نطاق سيطرته، بما في ذلك توفير الإمدادات الكافية من الغذاء والماء. يحظر القانون الدولي الإنساني تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بشكل مطلق. تتمتع المنظمات الإنسانية غير المتحيزة بالحق في عرض خدماتها لتنفيذ الأنشطة الإنسانية، حتى في الحالات التي يكون فيها أحد الأطراف غير قادر أو غير راغب في تلبية تلك الاحتياجات. وبموجب القانون، لا يجوز لطرف النزاع حجب موافقته على مثل ذلك العرض بشكل تعسفي أو غير قانوني؛ وبمجرد منح الموافقة، يتعين على أطراف النزاع وجميع الدول المعنية السماح وتيسير مرور الإغاثة الإنسانية بشكل سريع ودون معوقات.
من حق سكان غزة الحصول على الدعم الدولي العاجل لتحقيق الأمن الغذائي وتجنب الكارثة الإنسانية. ومع ذلك، في ظل رفض “إسرائيل” الامتثال لقواعد القانون الدولي الإنساني، يتعين على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين في غزة، كما ويتوجب على المنظمات الدولية المعنية، بما في ذلك الأمم المتحدة، تحمل مسؤولياتها وتقديم المساعدات اللازمة دون تأخير.
شروق مستور
باحثة مرشحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية
حائزة على ماجستير في العلوم الأمنية والاستراتيجية
لها عدة مقالات ودراسات منشورة في مجالات الأمن والسياسات الدولية